
متـقاعدون ومتـقاعدات أتعبهـم الزمن ونكدتهـم الحياة وتغيرت عليهـم الظروف
المعيشية ونكدهـم مطالب الأبناء حيث الراتـب الضعيف جدا ولم يجدوا مخرجا لهذه المعاناة
إلا القروض والديون التي أثـقلت كاهلـهم
هذا المتـقاعد الذي قضى عمره كله في خدمة الوطن وأهل الوطن وهو اليوم
تـتكالب عليه الأمـراض مع الهـم والدين والأقساط وإيـجار السكن والعلاج والكـثير من
مطالب الحياة وفوق هذا وذاك السن المتـقدم للمتـقاعد .
انّ أدق وصف ينطبق على المتقاعدين اليوم انّهم تعساء الحظ ومنحوسون بكل
معنى الكلمة. اذ لا أحد قلبه معهم ولا أحد يقرأ دموعهم ولا أحد يسمع آهاتهم وما يتجرعون
من آلام. انّ جميع المسؤولين يعترفون بأفضالهم ويقرّون بحقهم في التكريم ويعترفون بتضحياتهم
وعطاءهم طوال سنوات الوظيفة الاّ أنّ المحزن أنّه عندما تحين لحظة الأعطيات والمكافاءات
والمكرمات فإنّ المفارقة أنّهم يجدون أنفسهم خارجها والأقل حظوة ونصيبا ..
هل من يملك تفسيرا لحالتهم الغريبة والبائسة؟ انيّ لأقرأ في وجوههم علامات
الأسى والحزن كلما سمعت أو قرأت أنباءً عن زيادات لرواتب موظفي الدولة او تحسين للمكافآت
ذلك أنّ النصيب الأكبر للموظفين بينما هم يقتاتون الفتات. الأعجوبة في حياتهم أنّهم
لا يعرفون أسباب استثنائهم من التقدير الذي يقابل به إخوانهم العاملين في القطاعين
. والحقيقة الغير خافية على أحد أنّ المتقاعد ما أن يبلغ سن التقاعد حتى يكون مُعرّضا
للأمراض ونسبة ليست قليلة منهم تكابد الهموم والأعباء التي تثقل كاهلهم من كل حدب وصوب
ليس أهونها هموم القروض المرهقة التي ينوءون بها اضافة مطالب الأسرة والأبناء المتعددة.
وهم إزاء كل هذه المآسي التي يتجرعونها آناء الليل وأطراف النهار يبدون مثقلين بالحزن
والكآبة والهواجس
أنّ تفكير الاغلبية الساحقة من المحالين للتقاعد منصب بالدرجة الاساسية
على مستقبل ابنائهم من حيث اعدادهم الدراسيّ والوظيفي وبالتالي استقرارهم الاسري في
ظل ظروف بالغة القسوة وأمام شراسة غول الغلاء المتربص بهم في كل وقت. إنّ كبرياءهم
يمنعهم من استجداء العطف من هنا أو هناك أو التوسل لطلب معونة من هذه الجهة أو تلك
لكن بالمقابل هل الآخرون يشعرون بما يدور بداخلهم؟ وهل يتذكرون مدى معاناتهم؟ أو حجم
تضحياتهم كآباء مؤسسين لنهضة الوطن وبناة لنهضته في مختلف المواقع؟ وأنّهم لم يبخلوا
بطاقاتهم عندما كان البلد بحاجة اليها؟ وحين لم تكن هناك سوى سواعدهم وفي غياب العمالة
الاجنبية اضطروا الى بذل كل ما في وسعهم
هل نستمر في المصارحة؟ انّ جيل الآباء المتقاعدين يتعرضون للجحود والنكران
بشكل لا يليق بتاريخهم الزاخر بالتضحيات الجسام وعطآتهم اللامحدودة. ما الذي يمنع من
تكريمهم بما يليق بمكانتهم الوظيفية والعمرية؟ بما يعيد لهم شيئا من استقرارهم النفسي
والحياتي من خلال بضع خطوات لا تشكل عبئا ماديا مرهقا على سبيل المثال لا الحصر منحهم
بطاقات تخفيض في تذاكر السفر والشراء اضافة الى اشراكهم في بعض الفعاليات تقديرا لما
اسدوه من خدمات ومنح ابناءهم فرصا للعمل؟ هل هذ طلبات تعجيزية ومستحيلة التحقيق؟
ان المتقاعدين بشر يعانون ويتألمون ويكدحون ويجوعون ويحلمون ويطمحون بالغد
الاجمل لهم ولأسرهم وهو ما لن يتحقق بكلمات الإطراء وقصائد المديح وحدها بل لا بدّ
أن يرافقها التقدير المادي ايضاً. ليس عيبا أن ترتفع اصوات المتقاعدين مطالبة بالإنصاف
والتقدير عبر مختلف المنابر الاعلامية مما نالهم من ظلم وتهميش لا مثيل له. ذلك أنّ
مقدار الغبن الذي طالهم ليس سهلا فقد اورثهم حزنا مقيما في اعماقهم ..
فمشكل غياب مرافق موجهة للمسنين بصفة عامة والمتقاعدين بصفة خاصة، وبالتحديد
الرجال منهم، حيث أن أغلبهم لا يغادرون منازلهم، ما يجعلهم في مواجهات دائمة مع باقي
أفراد العائلة وفي توتر مستمر، في حين تبقى الحدائق العمومية المتنفس الوحيد للبعض
الآخر لهم في ظل محدودية إمكانياتهم المادية
لا يريد المتقاعدون احتفالات تكريمية ولا دروع تذكارية أو شهادات شكر،
بقدر حاجتهم إلى ما يحفظ وقار "شيباتهم"، واحترام تاريخهم الوظيفي، وكفاية
حاجة من يعولونهم بُعدا عن سؤال الناس.. فلا شيء أشد حرقة من دمعة شيخ ذرفها لضيق حال.
و في ظل عدم إحساس المتقاعدين بعدم الأمان الاجتماعي، والنفسي، فكل شيء
وارد، والضرورة تستدعي اتخاذ تدابير علاجية جذرية، فمنهم من يعانـي الفقر، ومنهم من
يعانـي المديونية، ومنهم من يعيش في بيئة سكنية متردية، والدولة لم تقصر، وقنوات الاتصال
مشرعة، لإيصال أصوات المتقاعدين إلـى الجهات المعنية، وحقوقهم الإنسانية لا ينبغي أن
تتعرض للهضم، في وطن الغَلَبَةُ فيه للحق والعدالة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق